بشير نتيل
المساهمات : 62 تاريخ التسجيل : 15/10/2013
| موضوع: العسر والفرج بعد الشدة الثلاثاء نوفمبر 26, 2013 12:06 pm | |
| العسر والفرج بعد الشدة الباب السابع والخمسون 11.26.2013 ما جاء في اليسر بعد العسر والفرج بعد الشدة والفرح والسرور ونحو ذلك مما يتعلق بهذا الباب فمما يليق بهذا الباب من كتاب الله عز وجل قوله تعالى ( سيجعل الله بعد عسر يسرا ) وقوله تعالى ( وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد ) وقوله تعالى ( حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ) ويروى عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي قال لو كان العسر في حجر لدخل عليه اليسر حتى يخرجه وقال عليه الصلاة والسلام " عند تناهي الشدة يكون الفرج وعند تضايق البلاء يكون الرخاء " وقال علي رضي الله عنه عن النبي " أفضل عبادة أمتي انتظارها فرج الله تعالى " وقال الحسن لما نزل قوله تعالى ( فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا ) قال النبي " أبشروا فلن يغلب عسر يسرين " ومن كلام الحكماء إن تيقنت لم يبق هم وقال أبو حاتم ( إذا اشتملت على البؤس القلوب ... وضاق بما به الصدر الرحيب ) ( وأوطنت المكاره واطمأنت ... وأرست في مكامنه الخطوب ) ( ولم نر لانكشاف الضر وجها ... ولا أغنى بحيلته الأريب ) ( أتاك على قنوط منك غوث ... يمن به اللطيف المستجيب ) وقال آخر ( عسى الهم الذي أمسيت فيه ... يكون وراءه فرج قريب ) ( فيأمن خائف ويغاث عان ... ويأتي أهله النائي الغريب ) وقال آخر ( تصبر أيها العبد اللبيب ... لعلك بعد صبرك ما تخيب ) ( وكل الحادثات إذا تناهت ... يكون وراءها فرج قريب ) وقال إبراهيم بن العباس ( ولرب نازلة يضيق بها الفتى ... ذرعا وعند الله منها المخرج ) ( ضاقت فلما استحكمت حلقاتها ... فرجت وكان يظنها لا تفرج ) وقال آخر ( لئن صدع البين المشتت شملنا ... فللبين حكم في الجموع صدوع ) ( وللنجم من بعد الرجوع استقامة ... وللشمس من بعد الغروب طلوع ) ( وإن نعمة زالت عن الحر وانقضت ... فإن بها بعد الزوال رجوع ) ( فكن واثقا بالله واصبر لحكمه ... فان زوال الشر عنك سريع ) ولنذكر نبذة ممن حصل له الفرج بعد الشدة روي أن الوليد بن عبد الملك كتب إلى صالح بن عبد الله عامله على المدينة المنورة أن اخرج الحسن بن الحسن بن علي من السجن وكان محبوسا واضربه في مسجد رسول الله خمسمائة سوط فأخرجه إلى المسجد واجتمع الناس وصعد صالح يقرأ عليهم الكتاب ثم نزل يأمر بضربه فبينما هو يقرأ الكتاب إذ جاء علي ين الحسين عليه السلام فأفرج له الناس حتى أتى الى جنب الحسن فقال يا ابن العم مالك ادع الله تعالى بدعاء الكرب يفرج الله عنك قال ما هو يا ابن العم ؟ فقال لا إله إلا الحليم الكريم لا إله إلا الله العلي العظيم سبحان رب السموات ورب العرش العظيم الحمد لله رب العالمين ثم أنصرف عنه وأقبل الحسن يكررهما فلما فرغ صالح من قراءة الكتاب ونزل قال أراه في سجنه مظلوما أخرجوه وأنا أراجع أمير المؤمنين في أمره فأطلق بعد أيام وأتاه الفرج من عند الله تعالي وقال الربيع لما حبس المهدي موسى ابن جعفر رأى في المنام عليا رضي الله تعالى عنه وهو يقول يا محمد فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم قال الربيع فأرسل المهدي الى ليلا فراغني ذلك فجئته فإذا هو يقرأ هذه الآية وكان حسن الصوت فقص علي الرؤيا ثم قال ائتني بموسى ين جعفر فجئته يه فعانقه وأجلسه الى جانبه وقال يا أبا الحسن رأيت أمير المؤمنين يقرأ علي كذا فعاهدني أن لا تخرج علي ولا على أحد من ولدي فقال والله ما ذاك من شأني فقال صدقت ثم قال يا ربيع أعطه ثلاثة آلاف دينار ورده إلى أهله بالمدينة قال الربيع فأحكمت أمره ليلا فما أصبح إلا على الطريق وقال إسماعيل بن بشار ( وكل حر وإن طالت بليته ... يوما تفرج غماه وتنكشف ) وقال مسلم بن الوليد كنت يوما جالسا عند خياط بازاء منزلي فمر بي انسان أعرفه فقمت اليه وسلمت عليه وجئت به الى منزلي لاضيفه وليس معي درهم بل كان عندي زوج أخفاف فارسلتها مع جاريتي لبعض معارفها فباعهما بتسعة دراهم واشترت بها ما قلته لها من الخبز واللحم فجلسنا نأكل وإذا بالباب يطرق فنظرت من شق الباب وإذا بانسان يسأل هذا منزل فلان ؟ ففتحت الباب وخرجت فقال أنت مسلم بن الوليد قلت نعم واستشهدت له بالخياط على ذلك فاخرج لي كتابا وقال هذا من الأمير يزيد ين مزيد فإذا فيه قد بعثنا لك بعشرة آلاف درهم لتكون في منزلك وثلاثة آلاف درهم تتجمل بها لقدومك علينا فأدخلته الى دراي وزدت في الطعام واشتريت فاكهة وجلسنا فأكلنا ثم وهبت لضيفي شيئا يشتري به هدية لأهله وتوجهنا الى باب يزيد بالرقة فوجدناه في الحمام فلما خرج إستؤذن لي عليه فدخلت فإذا هو جالس على كرسي وبيده مشط يسرح به لحيته فسلمت عليه فرد أحسن رد وقال ما الذي أقعدك عنا ؟ قلت قلة ذات اليد وأنشدته قصيدة مدحته بها قال أتدري لم أحضرتك ؟ قلت لا أدري قال كنت عند الرشيد منذ ليال أحادثه فقال لي يا يزيد من القائل فيك هذه الأبيات ( سل الخليفة سيفا من بني مضر ... يمضي فيخترق الاجسام والهاما ) ( كالدهر لا ينثني عما يهم به ... قد أوسع الناس إنعاما وارغاما ) فقلت والله لا أدري يا أمير المؤمنين فقال سبحان الله أيقال فيك مثل هذا ولا تدري من قاله ؟ فسألت فقيل لي هو مسلم بن الوليد فأرسلت اليك فانهض بنا الى الرشيد فسرنا اليه واستؤذن لنا فدخلنا عليه فقبلت الأرض وسلمت فرد على السلام فأنشدته ما لي فيه من شعر فأمر لي بمائتي ألف درهم وأمر لي يزيد بمائة وتسعين ألف درهم و قال ما ينبغي لي أن اساوي أمير المؤمنين في العطاء فانظر الى هذا التيسير الجسيم بعد العسر العظيم وما أحسن ما قيل ( الامن والخوف أيام مداولة ... بين الانام وبعد الضيق تتسع ) ولما وجه سليمان بن عبد المملك محمد بن يزيد الى العراق ليطلق أهل السجون ويقسم الأموال ضيق على يزيد ين أبي مسلم فلما ولي يزيد ابن عبد الملك الخلافة ولي يزيد بن أبي مسلم أفريقية وكان محمد ين يزيد واليا عليها فاستخفى محمد بن يزيد فطلبه يزيد بن أبي مسلم وشدد في طلبه فأتى به اليه في شهر رمضان عند المغرب وكان في يد يزيد ين أبي مسلم عنقود عنب فقال لمحمد بن يزيد حين رآه يا محمد ين يزيد قال قال طالما سألت الله أن يمكنني منك فقال وأنا والله طالما سألت الله أن يجيرني منك فقال والله ما أجارك ولا أعادك وان سبقني ملك الموت الى قبض روحك سبقته والله لا آكل هذه الحبة العنب حتى أقتلك ثم أمر به فكتف ووضع في النطع وقام السياف فأقيمت الصلاة فوضع العنقود من يده وتقدم ليصلي وكان أهل أفريقية قد أجمعوا على قتله فلما رفع رأسه ضربه رجل بعمود على رأسه فقتله وقيل لمحمد بن يزيد اذهب حيث شئت فسبحان من قتل الأمير وفك الأسير قال اسحق بن إبراهيم الموصلي رأيت رسول الله في النوم وهو يقول أطلق القاتل فارتعت لذلك ودعوت بالشموع ونظرت في أوراق السجن وإذا ورقة إنسان ادعى عليه بالقتل وأقربه فأمرت بإحضاره فلما رأيته وقد ارتاع فقلت له أن صدقتني أطلقتك فحدثني انه كان هو وجماعة من أصحابه يرتكبون كل عظيمة وأن عجوزا جاءت لهم بامرأة صارت عندهم صاحت الله الله وغشي عليها فلما أفاقت قالت أنشدك الله في أمري فان هذه العجوزة غرتني وقالت ان في هذه الدار نساء صالحات وأنا شريفة جدي رسول الله وأمي فاطمة وأبي الحسين بن علي فاحفظوهم في فقمت دونها وناضلت عنها فاشتد علي واحد من الجماعة وقال لا بدمنها وقاتلني فقتلته وخلصت الجارية من يده فقالت سترك الله كما سترتني وسمع الجيران الصيحة فدخلوا علينا فوجدوا الرجل مقتولا والسكين بيدي فامسكوني وأتوا بي إليك وهذا أمري فقال اسحق قد وهبتك لله ولرسوله فقال وحق اللذين وهبتني لهما لا أعود إلى معصية أبدا وأمر الحجاج بإحضار رجل من السجن فلما حضر أمر بضرب عنقه فقال أيها الأمير أخرني الى غد قال وأي فرج لك في تأخير يوم واحد ؟ ثم أمر برده إلى السجن فسمعه الحجاج في السجن يقول ( عسى فرج يأتي به الله إنه ... له كل يوم في خليقته أمر ) فقال الحجاج والله ما أخذه إلا من كتاب الله وهو قوله تعالى ( كل يوم هو في شأن ) وامر باطلاقه وقال بعض جلساء المعتمد كنا بين يديه ليلة فخفق رأسه بالنعاس فقال لا تبرحوا حتى أغفي سويعة فغفا ساعة ثم أفاق جزعا مرعوبا وقال امضوا الى السجن وائتوني بمنصور الجمال فجاؤا به فقال له كم لك في السجن ؟ قال سنة ونصف قال على ماذا ؟ قال أنا جمال من أهل الموصل وضاق علي الكسب ببلدي فأخذت جملي وتوجهت الى بلد غير بلدي لأعمل عليه فوجدت جماعة من الجند قد ظفروا بقوم غير مستقيمي الحال وهو مقدار عشرة أنفس وجدوهم يقطعون الطريق فدفع واحد منهم شيئا للأعوان فأطلقوه وأمسكوني عوضه وأخذوا جملي فناشدتهم الله فأبوا وسجنت أنا والقوم فأطلق بعضهم ومات بعضهم وبقيت أنا فدفع له المعتمد خمسمائة دينار وأجرى له ثلاثين دينارا في كل شهر وقال اجعلوه على جمالنا ثم قال أتدرون ما سبب فعلي هذا ؟ قلنا لا قال رأيت رسول الله وهو يقوم أطلق منصورا الجمال من السجن وأحسن اليه وأخذ الطاعون أهل بيت فسد بابه ففضل فيه طفل يرضع لم يشعر به أحد ففتح الباب بعد شهر فوجدوا الطفل قد عطف الله عليه كلبة ترضعه مع جرو لها فسبحان القادر على كل شئ لا إله غيره ولا معبود سواه قال الشاعر ( إذا تضايق أمر فانتظر فرجا ... فاضيق الأمر أدناه إلى الفرج ) ( وقال آخر ) ( فلا تجزعن ان أظلم الدهر مرة ... فإن إعتكار الليل يؤذن بالفجر ) ( وقال آخر ) ( لعمرك ما كل التعاطيل ضائرا ... ولا كل شغل فيه للمرء منفعه ) ( إذا كانت الأرزاق في القرب والنوى ... عليك سواء فاغتنم لذة الدعه ) ( فان ضقت فاصبر يفرج الله ما ترى ... ألا رب ضيق في عواقبه سعه ) وقال الرياشي ما اعتراني هم فأنشدت قول أبي العتاهية حيث قال ( هي الأيام والغير ... وأمر الله ينتظر ) ( أتيأس أن ترى فرجا ... فأين الله والقدر ) ( إلا سرى عني وهبت ريح الفرج ... ) ويروى أن سلطان صقلية أرق ذات ليلة ومنع النوم فأرسل إلى قاعد البحر وقال له انفذ الآن مركبا إلى أفريقية يأتوني بأخبارها فعمد القائد إلى مقدم مركب وأرسله فلما أصبحوا إذا بالمركب في موضعه كأنه لم يبرح فقال الملك لقائد البحر أليس قد فعلت ما أمرتك به ؟ قال نعم قد امتثلت أمرك وأنفذت مركبا فرجع بعد ساعة وسيحدثك مقدم المركب فأمر بإحضاره فجاء ومعه رجل فقال له الملك ما منعك أن تذهب حيث أمرت ؟ قال ذهبت بالمركب فبينما أنا في جوف الليل والرجال يجدفون أذا بصوت يقول يا الله يا الله يا غياث المستغيثين يكررها مرارا فلما استقر صوته في أسماعنا ناديناه مرارا لبيك لبيك وهو ينادي يا الله يا الله يا غياث المستغيثين فجدفنا بالمركب نوح الصوت فلقينا هذا الرجل غريقا في آخر رمق من الحياة فطلعنا به المركب وسألناه عن حاله فقال كنا مقلعين من أفريقية فغرقت سفينتنا منذ أيام وأشرفت على الموت وما زلت أصيح حتى أتاني الغوث من ناحيتكم فسبحان من أسهر سلطانا وأرقه في قصره لغريق في البحر حتى استخرجه من تلك الظلمات الثلاث ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة الوحدة فسبحانه لا إله غيره ولا معبود سواه وحكي سيدي أبو بكر الطرطوشي في كتابه سراج الملوك قال أخبرني أبو الوليد الباجي عن أبي ذر قال كنت أقرأ على الشيخ أبي حفص عمر بن أحمد بن شاهين ببغداد جزأ من الحديث في حانوت رجل عطار فبينما أنا جالس معه في الحانوت إذ جاء رجل من الطوافين ممن يبيع العطر في طبق يحمله على يده فدفع إليه عشرة دراهم وقال له اعطني بها أشياء سماها له من العطر فأعطاه اياها فأخذها في طبقه وأراد أن يمضي فسقط الطبق من يده فانكب جميع ما فيه فبكى الطواف وجزع حتى رحمناه فقال أبو حفص لصاحب الحانوت لعلك تعينه على بعض هذه الأشياء فقال سمعا وطاعة فنزل وجمع له ما قدر على جمعه منها ودفع له ما عدم منها وأقبل الشيخ على الطواف يصبره ويقول له لا تجزع فأمر الدنيا أيسر من ذلك فقال الطواف أيها الشيخ ليس جزعي لضياع ما ضاع لقد علم الله تعالى أني كنت في القافلة الفلانية فضاع لي هميان فيه أربعة آلاف دينار ومعها فصوص قيمتها كذلك فما جزعت لضياعها حيث كان لي غيرها من المال ولكن ولد لي ولد في هذه الليلة فاحتجنا لامة ما تحتاج النفساء ولم يكن عندي غير هذه العشرة دراهم فخشيت أن أشتري بها حاجة النفساء فأبقى بلا رأس مال وأنا قد صرت شيخا كبيرا لا أقدر على التكسب فقلت في نفسي أشتري بها شيئا من العطر فأطوف به صدر النهار فعسى أستفضل شيئا أسد به رمق أهلي ويبقى رأس المال أتكسب به واشتريت هذا العطر فحين انكب الطبق علمت أنه لم يبق لي الا الفرار منهم فهذا الذي أوجب جزعي قال أبو حفص وكان رجل الجند جالسا إلى جانبي يستوعب الحديث فقال للشيخ أبي حفص يا سيدي أريد أن تأتي بهذا الرجل إلى منزلي فظننا أن يعطيه شيئا قال فدخلنا إلى منزله فأقبل على الطواف وقال له عجبت من جزعك فأعاد عليه القصة فقال له الجندي وكنت في تلك القافلة ؟ قال نعم وكان فيها فلان وفلان فعلم الجندي صحة قوله فقال وما علامة الهميان وفي أي موضع سقط منك ؟ فوصف له المكان والعلامة قال الجندي إذا رأيته تعرفه قال نعم فأخرج الجندي له هميانا ووضعه بين يديه فحين رآه صاح وقال هذا همياني والله وعلامة صحة قولي أن فيه من الفصوص ما هو كيت وكيت ففتح الهميان فوجده كما ذكر فقال الجندي خذ مالك بارك الله لك فيه فقال الطواف إن هذه الفصوص قيمتها مثل الدنانير وأكثر فخذها وأنت في حل منها ونفسي طيبة بذلك فقال الجندي ما كنت لآخذ على أمانتي مالا وبي أن يأخذ شيئا ثم دفعها للطواف جميعها فأخذها ومضى ودخل الطواف وهو من الفقراء وخرج وهو من الأغنياء اللهم أغن فقرنا ويسر أمرنا برحمتك يا أرحم الراحمين وحكي أن الملك ناصر الدولة من آل حمدان كان يشكو وجع القولنج حتى أعيا الأطباء دواؤه لم يجدوا له شفاء فدسوا على قتله وأرصدوا له رجلا ومعه خنجر فلما كان في بعض دهاليز القصر وثب عليه ذلك الرجل وضربه بالخنجر فجاءت الضربة أسفل خاصرته فلم تخط المعي الذي فيه القولنج فخرج ما فيه من الخلط فعافاه الله تعالى وبرئ أحسن ما كان وبضد هذا ما حكاه أبو بكر الطرطوشي قال حدثنا القاضي أبو مروان الداراني بطرطوشة قال نزلت قافلة بقرية خربة من أعمال دانية فأووا إلى دار خربة هناك فاستكنوا فيها من الرياح والأمطار واستوقدوا نارهم وسووا معيشتهم وكان في تلك الخربة حائط مائل قد أشرف على الوقوع فقال رجل منهم يا هؤلاء لا تقعدوا تحت هذا الحائط ولا يدخلن أحد في هذه البقعة فأبوا إلا دخولها فاعتزلهم ذلك الرجل وبات خارجا عنهم ولم يقرب ذلك المكان فأصبحوا في عافية وحملوا على دوابهم فبينما هم كذلك إذ دخل ذلك الرجل إلى الدار لييقضي حاجته فخر عليه الحائط فمات لوقته قال وأخبرني أبو القاسم بن حبيش بالموصل قال لقد جرت في هذه الدار وأشار إلى دار هناك قضية عجيبة قلت وما هي ؟ قال كان يسكن هذه الدار رجل من التجار ممن يسافر إلى الكوفة في تجارة الخز فاتفق أنه جعل جميع ما معه من الخز في خرج وحمله على حماره وسار مع القافلة فلما نزلت القافلة أراد انزال الخرج عن الحمار فثقل عليه فأمر انسانا هناك فأعانه على انزاله ثم جلس يأكل فاستدعى ذلك الرجل ليأكل معه فسأله عن أمره فأخبره أنه من أهل الكوفة وأنه خرج لحاجة عرضت له بغير نفقة ولا زاد فقال له الرجل كن رفيقي آنس بك وتعينني على سفري ونفقتك ومؤنتك علي فقال له الرجل وأنا أيضا أختار صحبتك وأرغب في مرافقتك فسار معه في سفره وخدمه أحسن خدمة إلى أن وصلا إلى تكريت فنزل الرفقة خارج المدينة ودخل الناس إلى قضاء حوائجهم فقال التاجر لذلك الرجل احفظ حوائجنا حتى أدخل المدينة وأشتري ما نحتاج إليه ثم دخل المدينة وقضى جميع حوائجه ورجع فلم يجد القافلة ولا صاحبه ورحلت الرفقة ولم ير أحدا فظن أنه لما رحلت الرفقة رحل ذلك الخادم معهم فلم يزل يسير ويجد في السير في المشي إلى أن أدرك القافلة بعد جهد عظيم وتعب شديد فسألهم عن صاحبه فقالوا ما رأيناه ولا جاء معنا ولكنه ارتحل على أثرك فظننا أنك أمرته فكر الرجل راجعا إلى تكريت وسأل عن الرجل فلم يجد له أثرا ولا سمع له خبرا فيئس منه ورجع إلى الموصل مسلوب المال فوصلها نهارا فقيرا جائعا عريانا مجهودا فاستحى أن يدخلها نهارا فتشمت به الأعداء نعوذ بالله من شماتتهم وخشى أن يحزن الصديق إذا رآه على تلك الحالة فاستخفى إلى الليل ثم عاد إلى داره فطرق الباب فقيل له من هذا قال فلان يعني نفسه فأظهروا له سرورا عظيما وحاجة إليه وقالوا الحمد لله الذي جاء بك في هذا الوقت على ما نحن فيه من الضرورة والحاجة فانك أخذت مالك معك وما تركت لنا نفقة كافية واطلت سفرك واحتجنا وقد وضعت زوجتك اليوم والله ما وجدنا ما نشتري به شيئا للنفساء فأتنا بدقيق ودهن نسرج به علينا فلا سراج عندنا فلما سمع ذلك ازداد غما على غمه وكره أن يخبرهم بحاله فيحزنهم بذلك فأخذ وعاء للدهن ووعاء للدقيق وخرج إلى حانوت أمام داره وكان فيه رجل يبيع الدقيق والزيت والعسل ونحو ذلك وكان البياع أطفأ سراجه وأغلق حانوته ونام فناداه فعرفه فأجابه وشكر الله على سلامته فقال له افتح حانوتك وأعطنا ما نحتاج إليه من دقيق وعسل ودهن فنزل البياع إلى حانوته وأوقد المصباح ووقف يزن له ما طلب فبينما هو كذلك إذ حانت من التاجر التفاتة إلى قعر الحانوت فرأى خرجه الذي هرب به صاحبه فلم يملك نفسه أن وثب إليه والتزمه وقال يا عدو الله ائتني بمالي فقال له البياع ما هذا يا فلان ؟ والله ما علمتك متعديا وأنا أبدا ما جنيت عليك ولا على غيرك فما هذا الكلام قال هذا خرجي هرب به خادم كان يخدمني وأخذ حماري وجميع مالي فقال البياع والله ما لي علم غير أن رجلا ورد علي بعد العشاء واشترى مني عشاءه وأعطاني هذا الخرج فجعلته في حانوتي وديعة إلى حين يصبح والحمار في دار جارنا والرجل في المسجد نائم قال له أحمل معي الخرج وامض بنا إلى الرجل فرفع الخرج على عاتقه ومضى معه إلى المسجد فإذا الرجل نائمن في المسجد فوكزه برجله فقام الرجل مرعوبا فقال مالك قال أين مالي يا خائن ؟ قال ها هو في خرجك فوالله ما أخذت منه ذرة قال فأين الحمار وآلته قال هو عند هذا الرجل الذي معك فعفا عنه وخلى سبيله ومضى بخرجه إلى داره فوجد متاعه سالما فوسع على أهله وأخبرهم بقصته فازداد سرورهم وفرحهم وتبركوا بذلك المولود فسبحان من لا يخيب من قصده ولا ينسى من ذكره ( ولنلحق بهذا الباب ذكر شيء مما جاء في التهنئة والبشائر ) كتب بعضهم إلى أخيه وقد أتاه خبرا استبشر به سمعت عنك خبرا سارا كتب في الألواح وامتزج بالأرواح وعد في جملة البشائر العظام وجرى في العروق وتمشي في العظام وكان خالد بن عبد الله القسري أخا هشام بن عبد الملك من الرضاع وكان يقول له اني لأرى فيك آثار الخلافة ولا تموت حتى تليها فقال له ان أنا وليتها فلك العراق فلما ولى أتاه فقام بين الصفين وقال يا أمير المؤمنين أعزل الله بعزته وأيدك بملائكته وبارك لك فيما ولاك ورعاك فيما استرعاك وجعل ولايتك على أهل الاسلام نعمة وعلى أهل الشرك نقمة لقد كانت الولاية إليك أشوق منك إليها وأنت لها أزين منها لك وما مثلها ومثلك إلا كما قال الأحوص هذه الأبيات ( وإن الدر زاد حسن وجوه ... كان للدر حسن وجهك زينا ) ( وتزيدن أطيب الطيب طيبا ... إن تمسسه أين مثلك أينا ) ودخل على المهدي اعرابي فقال له فيم جئت ؟ قال أتيتك برسالة قال هاتها قال أتاني آت في منامي فقال ائت أمير المؤمنين فأبلغه هذه الأبيات ( لكم ارث الخلافة من قريش ... تزف إليكمو أبدا عروسا ) ( إلى هرون تهدى بعد موسى ... تميس وما لها أن لا تميسا ) فقال المهدي يا غلام علي بالجواهر فحشا فاه حتى كاد ينشق ثم قال اكتبوا هذه الأبيات واجعلوها في بخانق صبياننا قال إبراهيم الموصلي في تهنئة الرشيد بالخلافة ( ألم تر أن الشمس كانت مريضة ... فلما أتى هرون أشرق نورها ) ( تلبست الدنيا جمالا بملكه ... فهرون واليها ويحيى وزيرها ) وغناه بهما من وراء الحجاب فوصله بمائة ألف دينار ويحيى بخمسين ألفا ودخل عطاء بن أبي صيفي على يزيد بن معاوية وهو أول من جمع بين التهنئة والتعزية فقال رزئت خليفة الله وأعطيت خلافة الله قضى معاوية نحبه فغفر الله ذنبه ووليت الرئاسة وكنت أحق بالسياسة فاحتسب عند الله أعظم الرزية واشكر الله على أعظم العطية ومر عمر ابن هبيرة بعد إطلاقه من السجن بالرقة فاذا امرأة من بني سليم على سطح لها تحادث جارة لها ليلا وهي تقول لا والذي أسأله أن يخلص عمر بن هبيرة مما هو فيه ما كان كذا فرمى إليها بصرة فيها مائة دينار وقال قد خلص الله عمر بن هبيرة فطيبي نفسا وقري عينا والله سبحانه وتعالى أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم | |
|