بشير نتيل
المساهمات : 62 تاريخ التسجيل : 15/10/2013
| موضوع: نوادر الجلساء في مجالس الرؤساء الثلاثاء نوفمبر 26, 2013 11:56 am | |
| نوادر الجلساء في مجالس الرؤساء الباب التاسع والستون 11.26.2013 في ذكر المغنين والمطربين وأخبارهم ونوادر الجلساء في مجالس الرؤساء قيل إن أول من غنى في العرب قينتان للنعمان يقال لهما الجرادتان ومن غنائهما ( ألا يا قين ويحك قم فهينم ... لعل الله يسقينا غماما ) وإنما غنتا هذا حين حبس الله عنهم المطر وقيل أول من غنى في الإسلام الغناء الرقيق طويس وهو الذي علم ابن سريج والدلال نوبة الضحى وكان يكنى أبا عبد النعيم ومن غنائه وهو أول صوت غنى به في الإسلام هذا البيت ( قد براني الشوق حتى ... كدت من وجدي أذوب ) ثم نجم بعد طويس ابن طنبور وأصله من اليمن وكان أهزج الناس وأخفهم غناء ومن غنائه ( وفتيان على شرب جميعا ... دلفت لهم بباطية هدور ) ( فلا تشرب بلا طرب فإني ... رأيت الخيل تشرب بالصفير ) ومنهم حكم الوادي ومن غنائه ( إمدح الكأس ومن أعملها ... واهج قوما قتلونا يا لعطش ) ( إنما الراح ربيع باكر ... فإذا ما وافت المرء انتعش ) وكان لهارون الرشيد جماعة من المغنين منهم إبراهيم الموصلي وابن جامع السهمي وغيرهما وكان له زامر يقال له برصوما وكان إبراهيم أشدهم تصرفا في الغناء وابن جامع أحلاهم نغمة فقال الرشيد يوما لبرصوما ما تقول في ابن جامع ؟ قال يا أمير المؤمنين وما أقول في العسل الذي من حيثما ما ذقته فهو طيب قال فإبراهيم الموصلي ؟ قال بستان فيه جميع الأزهار والرياحين وكان ابن محرز يغني كل إنسان بما يشتهيه كأنه خلق من قلب كل إنسان وغنى رجل بحضرة الرشيد بهذه الأبيات ( وأذكر أيام الحمى ثم أنثني ... على كبدي من خشية أن تصدعا ) ( فليست عشيات الحمى برواجع ... عليك ولكن خل عينيك تدمعا ) ( بكت عيني اليسرى فلما نهيتهما ... عن الجهل بعد الحلم أسبلتا معا ) قال فاستخف الرشيد الطرب فأمر له بمائة ألف درهم وحدث ابن الكلبي عن أبيه قال كان ابن عائشة من أحسن الناس غناء وأنبههم فيه وكان من أضيق الناس خلقا إذا قيل له غن قال لمثلي يقال غن علي عتق رقبة إن غنيت يومي هذا فلما كان في بعض الأيام سال وادي العقيق فلم يبق في المدينة مخبأة ولا مخدرة ولا شاب ولا كهل إلا خرج يبصره وكان فيمن خرج ابن عائشة المغني وهو معتجر بفضل ردائه فنظر إليه الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم وكان الحسن فيمن خرج إلى العقيق وبين يديه عبدان أسودان كأنهما ساريتان يمشيان أمام دابته فقال لهما أقسم بالله إن لم تفعلا ما أمركما به لأنكلن بكما فقالا يا مولانا قل ما أمرتنا به فلو امرتنا ان نقتحم النار فعلنا قال فاذهبا إلى ذلك الرجل المعتجر بفضل ردائه فأمسكاه فإن لم يفعل ما آمره به وإلا فاقذفا به في العقيق قال فمضيا والحسن يقفوهما فلم يشعر ابن عائشة إلا وهما آخذان بمنكبيه فقال هذا ؟ فقال له الحسن أنا هذا يا ابن عائشة فقال لبيك وسعديك بأبي أنت وأمي قال اسمع مني ما أقول لك واعلم أنك مأسور في أيديهما وقد أقسمت إن لم تغن مائة صوت ليطرحانك في العقيق قال فصاح ابن عائشة واويلاه واعظم مصيبتاه فقال له الحسن دعنا من صياحك وخذ فيما ينفعنا قال اقترح وأقم من يحصي ثم أقبل يغني فترك الناس العقيق واقبلوا عليه فلما تمت أصواته مائة كبر الناس بلسان واحد تكبيرة ارتجت لها أقطار الأرض وقالوا للحسن صلى الله على جدك حيا وميتا فما اجتمع لأحد من أهل المدينة سرور قط إلا بكم أهل البيت فقال له الحسن ما فعلت هذا بك يا ابن عائشة إلا لأخلاقك الشرسة فقال ابن عائشة والله ما مرت بي شدة أعظم من هذه لقد بلغت أطراف أعضائي فكان ابن عائشة بعد ذلك إذا قيل له ما أشد يوم مر عليك ؟ يقول يوم العقيق وحدث أبو جعفر البغدادي قال حدثني عبد الله بن محمد كاتب بغداد عن أبي عكرمة قال خرجت يوما إلى المسجد الجامع فمررت بباب أبي عيسى بن المتوكل فإذا على بابه المشدود وهو أحذق خلق الله تعالى بالغناء فقال أين تريد يا أبا عكرمة ؟ قلت المسجد الجامع لعلي أستفيد حكمة اكتبها فقال أدخل بنا إلى أبي عيسى قلت أمثل أبي عيسى في قدره وجلالته يدخل عليه بلا إذن ؟ فقال للحاجب أعلم أمير المؤمنين بمكان أبي عكرمة فما لبث إلا ساعة حتى خرج الغلمان إلي فحملوني حملا فدخلت إلى دار ما رأيت أحسن منها بناء ولا أظرف منها هيئة فلما نظرت إلى أبي عيسى قال لي ما يعيش من يحتشم اجلس فجلست فأتينا بطعام كثير فملا انقضى أتينا بشراب وقامت جارية تسقينا شرابا كالشعاع في زجاجة كأنها كوكب دري فقلت أصلح الله الأمير وأتم عليه نعمه ولا سلبه ما وهبه قال فدعا أبو عيسى بالمغنيين وهم المشدود ودبيس ورقيق ولم يكن في ذلك الزمان أحذق من هؤلاء الثلاثة بالغناء فابتدأ المشدود وغنى يقول ( لما استقل بارداف تجاذبه ... واخضر فوق بياض الدر شاربه ) ( وأشرق الورد من نسرين وجنته ... واهتز أعلاه وارتجت حقائبه ) ( كلمته بجفون غير ناطقة ... فكان من رده ما قال حاجبه ) ثم سكت وغنى دبيس ( الحب حلو أمرته عواقبه ... وصاحب الحب صب القلب ذائبه ) ( استودع الله من بالطرف ودعني ... يوم الفراق ودمع العين ساكبه ) ( ثم انصرفت وداعي الشوق يهتف بي ... إرفق بقلبك قد عزت مطالبه ) ثم سكت وغنى رقيق ( بدر من الإنس حفته كواكبه ... قد لاح عارضه واخضر شاربه ) ( إن يوعد الوعد يوما فهو مخلفه ... أو ينطق القول يوما فهو كاذبه ) ( عاطيته كدم الأوداج صافية ... فقام يشدو وقد مالت جوانبه ) ثم سكت وابتدأ المشدود يقول ( يا دير حنة من ذات الاكيراح ... من يصح عنك فإني لست بالصاحي ) ثم سكت وغنى دبيس ( دع البساتين من آس وتفاح ... واعدل هديت إلى شيخ الاكيراح ) ( واعدل إلى فتية ذابت لحومهم ... من العبادة إلا نضو أشباح ) ( وخمرة عتقت في دنها حقبا ... كأنها دمعة في جفن سياح ) ثم سكت وغنى رقيق ( لا تحلفن بقول اللائم اللاحي ... واشرب على الورد من مشمولة الراح ) ( كأسا إذا انحدرت في حلق شاربها ... أغناه لألاؤها عن كل مصباح ) ( ما زلت أسقي نديمي ثم ألثمه ... والليل ملتحف في ثوب امساح ) ( فقام يشدو وقد مالت سوالفه ... يا دير حنة من ذات الأكيراح ) ثم أقبل أبو عيسى على المشدود وقال له غن لي شعري فغناه ( يا لجة الدمع هل للغمض مرجوع ... أم للكرى من جفون العين ممنوع ) ( ما حيلتي وفؤادي هائم دنف ... بعقرب الصدغ من مولاي ملسوع ) ( لا والذي تلفت نفسي بفرقته ... فالقلب من فرق الأحزان مصدوع ) ( ما أرق العين إلا حب مبتدع ... ثوب الجمال على خديه مخلوع ) قال أبو عكرمة فوالله لقد حضرت من المجالس ما لا يحصى عدده إلا الله تعالى فما حضرت مثل ذلك المجلس ولولا أن أبا عيسى قطعهم ما انقطعوا وحكي عن الرشيد أنه قال يوما للفضل ابن الربيع من بالباب من الندماء ؟ قال جماعة فيهم هاشم بن سليمان مولى بني أمية وأمير المؤمنين يشتهي سماعه قال فأذن له وحده فدخل فقال هات يا هشام فغناه من شعر جميل حيث يقول ( إذا ما تراجعنا الذي كان بيننا ... جرى الدمع من عيني بثينة بالحكل ) ( فيا ويح نفسي حسب نفسي الذي بها ... ويا ويح عقلي ما أصبت به أهلي ) ( خليلي فيما عشتما هل رأيتما ... قتيلا بكي من حب قاتله قبلي ) قال فطرب الرشيد طربا شديدا وقال أحسنت لله أبوك قلده عقدا نفيسا فلما رأه هاشم ترقرقت عيناه بالدموع فقال له الرشيد ما يبكيك يا هاشم ؟ فقال يا أمير المؤمنين إن لهذا العقد حديثا عجيبا إن أذن لي أمير المؤمنين حدثته به فقال قد أذنت لك قال يا أمير المؤمنين قدمت يوما على الوليد وهو على بحيرة طبرية ومعه قينتان لم ير مثلهما جمالا وحسنا فلما وقعت عينه علي قال هذا إعرابي قد ظهر من البوادي أدعو به لنسخر به فدعاني فسرت إليه ولم يعرفني فغنت إحدى الجاريتين بصوت هو لي فأخطأته الجارية فقلت لها أخطأت يا جارية فضحكت ثم قالت يا أمير المؤمنين ألم تسمع ما يقول هذا الأعرابي يعيب علينا غناءنا ؟ فنظر إلى كالمنكر فقلت يا أمير المؤمنين أنا أبين لك الخطأ فلتصلح وتر كذا ووتر كذا ففعلت وغنت شيئا ما سمع منها إلا في هذا اليوم فقامت الجارية مكبة علي وقالت أستاذي هاشم ورب الكعبة فقال الوليد أهاشم ابن سليمان أنت ؟ قلت نعم يا أمير المؤمنين وكشفت عن وجهي وأقمت معه بقية يومنا فأمر لي بثلاثين ألف درهم فقالت الجارية يا أمير المؤمنين أتأذن لي في بر أستاذي ؟ فقال الوليد ذلك إليك فحلت يا أمير المؤمنين هذا العقد من عنقها ووضعته في عنقي وقالت هو لك ثم قربوا إليه السفينة ليرجع إلى موضعه فركب في السفينة وطلعت معه إحدى الجاريتين وأبتعتها صاحبتي فأردات أن ترفع رجلها وتطلع السفينة فسقطت في الماء فغرقت لوقتها وطلبت فلم يقدر عليها فاشتد جزع الوليد عليها وبكى بكاء شديدا وبكيت أنا عليها أيضا بكاء شديدا فقال لي يا هاشم ما نرجع عليك مما وهبناه لك ولكن نحب أن يكون هذا العقد عندنا نذكرها به فبعني إياه فعوضني عنه ثلاثين ألف درهم فلما وهبتني العقد يا أمير المؤمنين تذكرت قضيته وهذا سبب بكائي فقال الرشيد لا تعجب فإن الله كما ورثنا مكانهم ورثنا أموالهم وقال علي بن سليمان النوفلي غنى دحمان الأشقر عند الرشيد يوما فأنشده ( إذا نحن أدلجنا وأنت أمامنا ... كفى لمطايانا برؤياك هاديا ) ( ذكرتك بالديزين يوما فأشرفت ... بنات الهوى حتى بلغن التراقيا ) ( إذا ما طواك الدهر يا أم مالك ... فشأن المنايا القاضيات وشانيا ) قال فطرب الرشيد طربا شديدا واستعاده منه مرات ثم قال له علي قال أتمنى الهنىء والمرئ وهما ضيعتان غلتهما أربعون ألف دينار في كل سنة فأر له بهما فقيل له يا أمير المؤمنين إن هاتين الضيعتين من جلالتهما يجب أن لا يسمح بمثلهما فقا الرشيد لا سبيل إلى استرداد ما أعطيت ولكن احتالوا في شرائهما منه فساوموه فيهما حتى وقفوا معه على مائة ألفه دينار فرضي بذلك فقال الرشيد إدفعوها له فقاولا يا أمير المؤمنين في إخراج مائة ألف دينار من بيت المال طعن ولكن نقطعها له فكان يوصل بخمسة آلاف وثلاثة آلاف حتى استوفاها ومن ذلك ما حكى إسحاق الموصلي قال كان الواثق بن المعتصم أعلم الناس بالغناء وكان يضع الألحان العجيبة فغنيني بها شعره وشعر غيره فقال له يوما يا أبا محمد لقد فقت أهل العصر في كل شيء فغني شعرا أرتاح إليه وأطرب عليه يومي هذا قال اسحاق فغنيته هذه الأبيات ( ما كنت أعلم ما في البين من حرق ... حتى تنادوا بأن قد جيء بالسفن ) ( قالت تودعني والدمع يغلبها ... فهمهمت بعض ما قالت ولم تبن ) ( مالت إلى وضمتني لترشفني ... كما يميل نسيم الريح بالغصن ) ( وأعرضت ثم قالت وهي باكية ... يا ليت معرفتي إياك لم تكن ) قال فخلع علي خلعة كانت عليه وأمر لي بمائة ألف درهم وقال وغنيته يوما ( قفي ودعينا يا سعاد بنظرة ... فقد حان منا يا سعاد رحيل ) ( فيا جنة الدنيا ويا غاية المنى ... ويا سؤال نفسي هل إليك سبيل ) ( وكنت إذا ما جئت جئت لعلة ... فافنيت علاتي فكيف أقول ) ( فما كل يوم لي بأرضك حاجة ... ولا كل يوم لي إليك وصول ) فقال والله لا سمعت يومي غيره وألقى علي خلعة من ثيابه وأمر لي بصلة ما أمر لي قبلها بمثلها ومن حكايات الخلفاء ومكارم أخلاقهم ما حكي عن إبراهيم بن المهدي قال قال جعفر بن يحيى يوما لبعض ندمائه إني قد استأذنت أمير المؤمنين في الخلوة غدا فهل من مساعدة ؟ فقلت جعلت فداءك أنا أسعد بمساعدتك وأسر بمشاهدتك فقال بكر بكور الغراب قال فأتيته عند الفجر فوجدت الشموع قد أوقدت بين يديه وهو ينتظرني في الميعاد فما زلنا في أطيب عيش إلى وقت الضحى فقدمت إلينا موائد الأطعمة عليها من أفخر الطعام وأطيبه فأكلنا وغسلنا أيدينا ثم خلعت علينا ثياب المنادمة وضمخنا بالخلوق وانتقلنا إلى مجلس الطرب ومدت الستائر وغنت القينات فظللنا بأنعم يوم ثم إنه داخله الطرب فدعا بالحاجب وقال له إذا أتى أحد يطلبنا فأذن له ولو كان عبد الملك بن صالح بنفسه فاتفق بالأمر المقدر إن عم الرشيد عبد الملك بن صالح قدم علينا في ذلك الوقت وكان صاحب جلالة وهيبة ورفعة وعنده من الورع والزهد والعبادة ما لا مزيد عليه وكان الرشيد إذا جلس مجلس لهو لا يطلعه على ذلك لشدة ورعه فلما قدم دخل به الحاجب علينا فلما رأيناه رمينا ما في أيدينا وقمنا إجلالا له نقبل يده وقد ارتعنا لذلك وخجلنا وزاد بنا الحياء فقال لا بأس عليكم كونوا على ما أنتم عليه ثم صاح بغلام فدفع له ثيابه ثم أقبل علينا وقال اصنعوا بنا ما صنعتم بأنفسكم قال فما كان بأسرع من أن طرحت عليه ثياب خز معلم وقدمت إليه موائد الطعام والشراب فطعم وشرب الشراب لساعته ثم قال خففوا عني فإنه شيء ما فعلته والله قط قال فتهلل وجه جعفر ثم التفت إلى عبد الملك فقال له جعلت فداءك قد علوت علينا وتفضلت فهل من حاجة تبلغها مقدرتي وتحيط بها نعمتي فاقضيها لك مكافأة لك على ما صنعت قال بلى إن في قلب أمير المؤمنين بعض تغير علي فتسأله الرضا عني فقال جعفر قد رضي عنك أمير المؤمنين قال وعلي عشرة آلاف دينار فقال جعفر هي حاضرة لك من مالي ولك من مال أمير المؤمنين مثلها قال أريد أن أشد ظهر ابني إبراهيم بمصاهرة من أمير المؤمنين قال قد زوجه أمير المؤمنين بابنته الغالية قال وأحب أن أن تخفق الألوية على رأسه قال وقد ولاه أمير المؤمنين مصر فانصرف عبد الملك بن صالح وبقيت متعجبا من إقدام جعفر على ذلك من غير استئذان وقلت عسى أن يجيبه أمير المؤمنين إلى ما سأله من الولاية والمال والرضا إلا المصاهرة قال فلما كان من الغد بكرت إلى باب الرشيد لأنظر ما يكون من أمرهم فدخل جعفر فلم يلبث أن دعي بأبي يوسف القاضي ثم بإبراهيم بن عبد الملك بن صالح فخرج إبراهيم وقد عقد نكاحه بالغالية بنت الرشيد وعقد له على مصر الرايات والألوية تخفق على رأسه وخرج كل من في القصر معه إلى بيت عبد الملك بن صالح قال ثم بعد ذلك خرج إلينا جعفر وقال أظن أن قلوبكم تعلقت بحديث عبد الملك بن صالح وأحببتم سماع ذلك قلنا هو كما ظننت قال لما دخلت على أمير المؤمنين ومثلت بين يديه قال كيف كان يومك يا جعفر بالأمس ؟ فقصصت عليه القصة حتى بلغت إلى دخول عبد الملك بن صالح فكان متكئا فاستوى جالسا وقال لله أبوك ما سألك ؟ قلت سأنل رضاك عنه يا أمير المؤمنين قال بم أجبته قلت قد رضي عنك أمير المؤمنين قال قد رضيت عنه ثم ماذا قلت وذكر ان عليه عشرة آلاف دينار قال فبم أجبته ؟ قلت قد قضاها عنك أمير المؤمنين قال وقد قضيتها عنه ثم ماذا قلت ورغب أن يشد أمير المؤمنين ظهر ولده إبراهيم بمصاهرة منه قال فبم أجبته ؟ قلت قد زوجه أمير المؤمنين بابنته الغالية قال قد أجبته إلى ذلك ثم ماذا قلت ؟ قال وأحب أن تخفق الألوية على رأسه قال فبم أجبته ؟ قلت قد ولاه أمير المؤمنين مصر قال قد وليته إياها ثم نجز له جميع ذلك من ساعته قال إبراهيم بن المهدي فوالله ما أدري أي الثلاثة أكرم وأعجب فعلا ما ابتدأه عبد الملك بن صالح من المنادمة ولم يكن فعل ذلك قط أم إقدام جعفر على الرشيد أم إمضاء الرشيد جميع ما حكم به جعفر فهكذا تكون مكارم الأخلاق وحكى أبو العباس عن عمر الرازي قال أقبلت من مكة أريد المدينة فجعلت أسير في جمد من الأرض فسمعت غناء لم أسمع مثله فقلت والله لأتوصلن إليه فإذا هو عبد أسود فقلت له أعد علي ما سمعت فقال والله لو كان عندي قري أقريكه لفعلت ولكني أجعله قراك فإني والله ربما غنيت بهذا الصوت وأنا جائع فأشبع وربما غنيته وأنا كسلان فأنشط أو عطشان فأروى ثم اندفع يغني ويقول ( وكنت إذا ما جئت سعدى أزورها ... أرى الأرض تطوى لي ويدنو بعيدها ) ( من الخفرات البيض ود جليسها ... إذا ما انقضت أحدوثة لو تعيدها ) قال عمر فحفظته منه ثم تغنيت به على الحالات التي وصفها إلى فإذا هي كما ذكر والله سبحانه وتعالى أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم | |
|