رحب أبو تمام بالشيب قائلاُ:
رأيت الشيب لاح فقلت أهـلاً----وودعت الغواية والشباب
وما إن شبت من كبر ولكن ----رأيت من الأحبة ما أشابا
و يقول إبن الرومي واصفاً:
شعرات في الرأس بيض ودعج ----حل رأسي جيلان روم وزنـج
طار عن هامتي غراب شبـاب ----وعلاه مكانه شـــــاهمرج
حل في صحن هامتي منه لونـا----ن كما حل رقعة شــــطرنج
أيها الشيب لم حللت برأســي----إنما لي عشر وعشر وبنــج
يقول رؤبة بن العجاج مادحاً الشيب و مفضلاً إياه على الشباب:
أيها الشامت المعير بالشيـب----أقلن بالشباب افتـــخارا
قد لبست الشباب غضا جديدا----فوجدت الشباب ثوبا معـارا
يقول أبو العتاهية ناعياً مافات من أيام الشباب:
عريت من الشباب وكان غضـا----كما يعرى من الورق القضيب
و نُحت على الشباب بدمع عيني----فما نفع البكاء ولا النحيــب
الا ليت الشباب يعود يومـــاً----فأخبره بما صنع المشـــيب
و يقول أبوتمام وقد أبدع في الحكمة:
أبدت أسى إذ رأتنى مخلس القصب ----فآل ما كان من عجب إلى عجب
ست وعشرون تدعوني فاتبـــها ----إلى المشيب ولم تظلم ولم تحب
فلا يؤرقك إيماض القتير بــــه ----فإن ذاك أبتسام الـرأي والادب
و يقول البحتري مخاطباً حبيبته:
رأت فلتات الشيب فابتسمت لها ----وقالت نجوم لو طلعن بأسعـد
أعاتِك ما كان الشباب مقربي ----إليك فألحى الشيب إذ كان مبعدي
تزيدين هجراً كلما ازددت لوعة ----طلاباً لأن أردى فها أنــذا ردِ
أما الفرزدق فيفتخر و يمدح الشيب بقوله:
الشيب عنوان المنيــــ ---- ية وهو تاريخ الكبر
وبياض شعرك موت شعـ ---- رك ثم أنت على الأثر
فإذا رأيت الشيـــب عمّ ---- الرأس فالحذر الحذر
و يقول علي بن أبي طالب - كرّم الله وجهه:
إلام تجر أذيال التصـــابي -----وشيبك قد نعى برد الشــباب
بلال الشيب في فوديك نادى ---- بأعلى الصوت حيّ على الذهاب
و أما البحتري فيعتز بشيبه قائلاً:
عيرتني المشيب وهى بدته ----في عذارى بالصد والاجتـناب
لا تريه عارا فما هو بالشب --------ولكنه جلاء الشبـــاب
وبياض البازي اصدق حسنا ----إن تأملت من سواد الغـراب
و يعدِل طريح بن اسمعيل الثقفى في الحكم بين الشيب والشباب بقوله:
والشيب للحكماء من سفه الصبا ----بدل يكون لذي الفضيلة مقنـع
والشيب غاية من تأخر حينــه ----لا يستطيع دفاعه من يــجزع
إن الشباب له لذادة جــــدة ----والشيب منه في المغبة أنــفع
لايبعد الله الشباب فمرحبـــا ----بالشيب حين أوى اليه المضجع
أما ابو الحسن البصري فيحزن على شبابه (و كان العامة في الاندلس يرتدون الابيض بدلاً من الأسود فيمناسبات الحزن) :
اذا كان البياض لباس حـزن----بأندلس فذاك من الصواب
ألم ترني لبست بياض شيبي----لاني قد حزنت على شبابي
وقال بديع الهمزاني مادحاً الشيب:
يامن يعلل نفسه بالبـــاطل----نزل المشيب فمرحبا بالنـازل
ان كان ساءك طالعات بياضه----فلقد كساك بذاك ثوب الفاضـل
لا تبكين على الشباب وفقـده----لكن على الفعل القبيح الحاصل
ويقول الشافعي:
ولذة عيش المرء قبل مشيبه----وقد فنيت نفس تولى شبابـها
إذا اسود جلد المرء وأبيض شعره----تكدر من أيامه مستطابها